تحميل...

منوعات

جديدنا في بريدك

    اشترك في نشرتنا البريدية:

حوار إنسان

كلام من القلب

  • المزيد »

قراءة في عنوان

  • المزيد »

مقال الرأي

قضايا وملفات

صورة وتعليق

مقالات مترجمة

رسالة إلى المعني

قالت الحكاية

فن وثقافة

أخبار ومتابعات

الرئيسية » » آخر قلاع الالتزام في الجزائر.. هكذا توفي مولود معمري

آخر قلاع الالتزام في الجزائر.. هكذا توفي مولود معمري

الأديب الجزائري الكبير مولود معمري

آخر قلاع الالتزام في الجزائر.. هكذا توفي مولود معمري

محمد عاطف بريكي

في ليلة الـ(26) من شهر فبراير سنة 1989، استقبلت مصلحة الاستعجالات بمستشفى عين الدفلي جثة رجل عجوز راح ضحية حادث مرور بعدما تم استخراجها بصعوبة من سيارة من نوع بيجو 205 اصطدمت بشجرة ثابتة عند مخرج مدينة عين الدفلى وبرغم الإسعافات التي قدمت للضحية عقب الحادث( 20 دقيقة حسب الطبيب المناوب) إلا أنه توفي بعد وصوله المستشفى بعد ساعة زمن، لم يكن بالمستشفى ليلتها طبيب جراح.

ظلت جثة مجهولة، الى أن تم تفحص وثائقه،كان من بينها جواز سفر يحمل آخر تأشيرة للمملكة المغربية قبل يومين فقط و رخصة السياقة كتب عليهما هويته: محمد معمري الساكن بشارع سفينجة – الأبيار-الجزائر-.بعد أخذ ورد وسؤال بين الطاقم الطبي المسعف ثبت أن لقب معمري لا يمت بصلة لعائلات مدينة عين الدفلى ،جاس صمت رهيب قاعة الإنعاش قبل تقرر نقل الجثة لمصلحة حفظ الجثث، أحد الممرضين اقترح الاتصال بالشرطة و مدهم بالعنوان للقيام بالتحريات اللازمة ،كان الوقت متأخرا و ظلت جثة الرجل مسجاة على طاولة باردة برودة تلك الليلة المشئومة.

لم تكد شمس الشتاء المتباطئة تشرق إلا في حدود الساعة 8:00 – كان أول من التحق بالمستشفى رئيس مصلحة طب الأطفال الدكتور عمار خريص (وكان مهتما بالأدب و الثقافة عموما) تم إخباره على الفور بجثة سائق السيارة و أعادوا على مسامعه الحكاية ...
قبل يومين من الحادثة أجرت مجلة "لوماتان دي صحرا" أو صباح الصحراء المغربية حوار خصصته لموضوعة "الأدب المغاربي المكتوب باللغة الفرنسية وآفاق العولمة" واختارت الكاتب الجزائري مولود معمري لمناقشة هذه الإشكالية الاستشرافية.

بدا الدا المولود متفائلا في أجوبته و أبدى انفتاحا لكتابات الجيل الجديد وتوسم فيهم خير كثير بيد أنه قال عنهم :".. أولئك الشباب لهم نظرة جديدة في التفكير وتتوافق ووقتنا المعاصر وعليه لا بد أن يتجلى ذلك في كتاباتهم"
وفي سؤال عما إذا كان ما زال مواظبا على كتابة الرواية.

أجاب مولود معمري حرفيا:"بالطبع، اشتغل حاليا على رواية وعمل مسرحي ثالث،و ما أتمناه أن أواصل الكتابة الى آخر رمق من حياتي".

ذكر الصحفي المغربي الذي أجرى الحوار حادثة طريفة، لكنها أثرت فيه لاحقا،أيما تأثير. يقول إنه طلب قلم من مولود معمري ليدون عنوانه في الجزائر بغية التواصل، فإذا بالقلم الجاف يتوقف عن الكتابة في وسط المسافة.فاستفسر الصحفي مبتسما:" لقد فرغ الحبر من قلمك؟ !". فأجابه الدا المولود مازحا :"أظنه مات".

عندما كشف الدكتور عمار خريص عن وجه الجثة صاح مجلجلا كأنما رأى وجه أحد اقربائه :" إنه الكاتب مولود معمري" ليصاب الحضور بذهول غريب.
تسمر كل من كان في قاعة حفظ الجثث في أماكنهم للحظة.

بدا وجه الدكتور خريص مكفهرا و غاية في الأسى و التأثر،لكنه استجمع أفكاره المشتتة وأخذ يجري اتصالات لإبلاغ عائلته بالخبر.
كانت الساعة تشير الى التاسعة و عشر دقائق 9.10 سا في ذلك الصباح الممزوج بطعم الدفلى عندما تناهى صوت ابنة الكاتب الى سماعة الهاتف لململ شجاعته الهاربة وفي الأخير بلسان متلعثم نقل إليها الخبر المشؤوم.

في حدود الساعة الثانية زوالا من يوم الـ(27) فبراير 1989 وضعت جثة الفقيد في نعش مسجى على عتبة بيته بشارع سفنجة بالأبيار. وفي اليوم الموالي نقل نعشه في موكب مهيب الى مسقط رأسه بقرية تاوريرت ميمون بالقبائل حيث شيّع الدا المولود الى مثواه الأخير في جو جنائزي حضره أكثر من 200 ألف شخص. جاء الجميع :شيبة و شباب نساء و رجال، أطفال، بطالون وكادحون ،شيوخ ،مثقفون،أميون،عجائز...الكل جاء لوداع آخر قلاع الالتزام في الجزائر، المحارب الأبدي الشرس، التروبادور المطارد،حامي الجذور والجذوة من الانطفاء..

توقف قلم الرجل لكن بقيت روحه سارية بين التلال المنسية لبلاد القبائل في عبور لا يمل حاملا عصاه وفي جيبه أفيونه المسكر(قلمه) قد يستسلم لإغفاءة العادل ، لكنه أبدا يقض في زمن الخيانة... حضر الجميع باستثناء الرسميين ! و أي "رسمي" تسوّل له نفسه الولوج بين تلك الجماهير المشيّعة/ المفجوعة في فقدان إبنها و شعارات التنديد بالسلطة ترددها حناجرهم الغاضبة.


أنشر الموضوع


أنظر قسم

مجلة صوت إنسان

مجلة قيد التجريب ملحقة بمجموعة فيسبوكية دشردتنا

0 التعليقات على "آخر قلاع الالتزام في الجزائر.. هكذا توفي مولود معمري"

اكتب تعليقا