تحميل...

منوعات

جديدنا في بريدك

    اشترك في نشرتنا البريدية:

حوار إنسان

كلام من القلب

  • المزيد »

قراءة في عنوان

  • المزيد »

مقال الرأي

قضايا وملفات

صورة وتعليق

مقالات مترجمة

رسالة إلى المعني

قالت الحكاية

فن وثقافة

أخبار ومتابعات

الرئيسية » » الربيع الأوروبي اشتعل سنة 1848

الربيع الأوروبي اشتعل سنة 1848

"جوناثان شتاينبرج" هو أستاذ التاريخ الأوروبي الحديث بجامعة بنسلفانيا الأميركية، ومؤلف كتاب "حياة بسمارك"، الصادر حديثاً، والذي نقرأ في هذه العجالة جانباً من الأفكار الواردة به، نراه قريب الصلة بأحوالنا الراهنة، ويسهل على القارئ، بعد أن يفرغ من قراءة الكتاب، أن يلمس تشابهاً لافتاً للنظر بين بعض ملامح ثورات الربيع العربي، التي اندلعت هذا العام (2011) وخاصة ثورتا تونس ومصر، وما شهدته أوروبا في منتصف القرن التاسع عشر، حيث انهارت في ربيع العام 1848 أنظمةٌ أوربية متكلسة، أسسها ملوك وأباطرة أوروبا في أعقاب هزيمة نابليون بونابرت، عام 1815.

وكانت البداية في منتصف مارس/آذار، عندما انسلَّ الأمير "كليمنس مترنيخ"، مستشار الدولة في الامبراطورية النمساوية، ورمزُ النظام الذي كرهه الشعبُ وازدراه، هارباً من حشودٍ غاضبة، غُصَّــتْ بها أرجاءُ العاصمة (فيينا)، ولم تلبث الامبراطورية أن تهاوت، بعد 23 سنة من الحكم الديكتاتوري والممارسات القمعية؛ ولحقت بها أنظمةٌ قديمةٌ متهالكة، في كلٍّ من إيطاليا وفرنسا وألمانيا. وكان المشهدُ في أوروبا في تلك الآونة قريب الشبه إلى حدٍّ كبير بما جرى بعد ذلك بنحو 163 سنة، حين انفلت "زين العابدين بن علي" هارباً من تونس، واشتعلت ثورة يناير في مصر، وانتقلت موجتها إلى اليمن، والبحرين (حيث كانت انتفاضة دوَّار اللؤلؤة قصيرة، نجح الملك في تصفيتها وأزال الدوَّارَ من على سطح الأرض)، وليبيا، وسوريا. واشتركت موجتا الربيع الثوريتان، العربية والأوروبية، في أمرين : سعادة وارتياح الجماهير التي احتشدت في الشوارع والميادين بعد إزاحة النظم الديكتاتورية الطاغية، وغياب الرؤية الواضحة لنظم اجتماعية واقتصادية وسياسية جديدة، تحل محلَّ النظم القديمة المنهارة، مع أن الموجة الأوروبية كان لديها ما يمكن تسميته بالنموذج الدليل، متمثلاً في الثورة الفرنسية، وكان من الدوافع الرئيسية لها إعلان حقوق الإنسان وحقوق المواطنة، الذي أقرته الجمعية الوطنية الفرنسية في العام 1789، والذي نصَّ على أن البشر يولدون ويعيشون أحراراً، متساوين في الحقوق، فإن نشأت فروقٌ اجتماعية، كان ذلك للصالح العام، فقط.

وكان هذا المبدأ بمثابة الديناميت الذي فجر عديدا من الثوابت الاجتماعية. وقد عمل نابليون بونابرت على نشر أفكار التنوير والثورة في القارة الأوروبية كلها، ونجح في توطيد سيطرته على إمبراطورية مترامية الأطراف، في الفترة من 1800 إلى 1815، عن طريق إحلال تصنيفات قانونية عقلانية مدونة، محل أخرى، تقليدية قديمة، وغير مدونة. وحقق نابليون للفرنسيين مطلبهم العظيم بالمساواة في الفرص، ورفع شعار "كل الوظائف للموهوبين"، وإن كان ذلك، في رأي مؤلف كتاب "حياة بسمارك"، قد أتاح الفرصة لأن يتحول المحامون الريفيون محدودو الأفق إلى رجال دولة، وقارعو الطبول إلى مارشالات في الإمبراطورية الفرنسية.

ولم تذهب الاضطرابات السياسية والاجتماعية العنيفة، التي عرف بها عصرُ نابليون، إلى غياهب النسيان بعد أن لحقت به الهزيمة، فلم تلبث أن اندلعت ثورات الربيع الأوروبي عام 1848، ولم يلبث أن عاد إلى فرنسا من منفاه نابليون آخر، هو ابن عم الامبراطور نابليون بونابرت، (لويس نابليون بونابرت)؛ وكان لهذا الإسم تأثير بالغ في فوزه بانتخابات الرئاسة الفرنسية، بأغلبية ساحقة. وأثارت عودة النابليونية قلق جيران فرنسا، وتبدى ذلك في رسالة من "أوتو فون بسمارك"، النائب بالمجلس التشريعي لبروسيا، إلى أخيه، يقول فيها: "لا أعتقد أن حرباً يمكن أن تنشب الآن، في وجود الحكومة الحالية في باريس، فأنا أشك في أن يكون لديها دافع لها، فقد زالت الدوافع التي كانت موجودة عام 1792، من مقصلة وتعصب جمهوري". وواضح أن بسمارك كان يشعر بأن قوى التغيير لم تعد هي تلك التي هبت رياحها الثورية في 1789.

وكان بسمارك يرى، حتى بعد أن تمكن المحافظون في بلاط الملك فريدريك فيلهلم الرابع من التغلب على ترددهم وحشد قواهم لوقف الاضطرابات الثورية، أن حق التصويت – محل الخلاف - يمكن أن يكون أكبر سند للملك؛ وكان يعتقد أن التصويت لصالح لويس نابليون كان يعني اختيار الفرنسيين للمرشح الذي هو بمثابة الرمز على النظام، وأن لويس قد قطف ثمارا لم يزرعها، فهو "لم يعمل على تهيئة الظروف الثورية، ولم يتمرد على نظام قائم، وإنما نجح في أن يتصيد من خضم الفوضى الدوامية شيئا لم يكن بحوزة أحد، ولو حدث وتخلى عنه فربما أوقع أوروبا في حرج شديد قد يدفع بها إلى أن تتوسل إليه لأجل أن يعود ويسترجع ما تخلى عنه".

ولم تكن الديموقراطية الحقة هي ما يدور بخلد بسمارك، وإنما شيء ما، قد يكون الرغبة في استرضاء الجموع، أو هو شكل من أشكال الديموقراطية المؤسساتية، تم تلطيفه وتليينه في دستور ملكي، وفي حراسة جيش يدين بالولاء الكامل للملك. وكان بإمكان ملوك وأباطرة أوروبا إبان منتصف القرن 19 التعويل على ولاء جنودهم؛ فقد كان جنرالات الجيش وقادة الفيالق ينتمون إلى طبقة النبلاء الأرستقراطية في قمة المجتمع، ويدينون بوضعهم الاجتماعي للنظام الملكي. كانت المصالح المشتركة تجمع بين الملك وقواته المسلحة وقادتها؛ ويتأكد ذلك في مواجهة تمت بين أحد جنرالات الجيش البروسي، واسمه "لودفيج يورك فون فارتينبرج"، والأمير فيلهلم، فقال الأول للثاني: إن حرمتني، يا صاحب السمو الملكي، أنا وابنائي من حقوقنا، فلن يكون لحقوقك أساس!

ومن جهة أخرى، فقد كان جنود المشاة من أبناء الفلاحين، وكانوا يشاركون الأرستقراطيين عدم حبهم لأفراد الطبقة الوسطى، بأصواتهم الزاعقة وحماستهم للثورة، التي كان عليهم أن يتصدوا لها ويخمدوها؛ ولما حاولوا أن يعيدوا النظام للأزقة والشوارع الضيقة في مراكز المدن، أمطرهم سكانُها بمحتويات مبالات (قصريات) غرف النوم، والماء المغلي. ومن جانبهم، لم يكن لدي الثوار، في كل القارة الأوروبية، ما يشغلون به فراغ السلطة الناتج عن الانتفاضات الثورية إلا الخطب الرنانة وتدبيج مشروعات الدساتير؛ فلم تلبث القوى الرجعية أن عادت تتجمع، لتبدأ هجماتها المضادة؛ ولم تتمكن الانتفاضات الثورية من الوصول إلى الامبراطورية الروسية، فقد حشد القيصر نيكولاس الأول جيشه الضخم وحركه باتجاه الغرب، كما تحالف مع امبراطور النمسا والجنرال الكرواتي الكونت جوزيف جيركيك، مستهدفين القضاء على الثورة في المجر.

وتزامن ذلك مع تحرك الجنرال النمساوي جوزيف راديتزكي ليقضي على ثوار إيطاليا، والجنرال الفرنسي لويس أيوجين كافيجناك، الذي نجح في تعبئة الطبقة المتوسطة الباريسية لسحق حركة اجتماعية نشأت في عشوائيات باريس. أما في برلين، فقد انتهج الفيلد مارشال فريدريش فون جراف فرانجيل، الذي اشتهر بوسامته وشخصيته الطاغية، استراتيجية مختلفة، فقد اصطفت قواته في استعراض عسكري، اخترق به قلب برلين، وسط حشد ضخم من الجماهير المهللة، موجهاً للثوار رسالة تفيد بأنهم قد فقدوا دعم الشعب، واستعاد الجيش هيبته.

وقد انتهى ربيع الشعوب الأوروبية بإحداث تغييرات أقل مما كان يصبو إليه الثوار؛ في حين حاول المحافظون، أو (الفلول) الأوروبيون، استعادة زمام الأمور، فتسللوا إلى وسائل الإعلام، وسعوا للدخول إلى البرلمان عبر صناديق الانتخابات، واستخدموا علاقاتهم الاجتماعية في التأثير على الملوك، وشكل عدد من النبلاء الإنجيليين المحافظين في بروسيا ما عرف باسم (كاماريللا)، وهو مجلس وزراء سري، كانت مهمته التأكد من أن الملك يقف في وجه الليبراليين!

والعجيب أن قوى الثورة المضادة أخذت عن الثوار بعض وسائلهم وأدواتهم وأفكارهم، فاستعانوا بمعطيات تكنولوجية حديثة في ذلك الوقت، في تطوير النظم الإدارية والبيروقراطية الحكومية؛ واستثار البابا بيوس التاسع حماسة الجماهير الدينية ليثبت رسوخ أوضاع الأنظمة في مواجهة الانتفاضات الثورية.

الكاتب: رجب سعد السيد .. نقلا عن ميدل ايست أونلاين


أنشر الموضوع


أنظر قسم

مجلة صوت إنسان

مجلة قيد التجريب ملحقة بمجموعة فيسبوكية دشردتنا

0 التعليقات على "الربيع الأوروبي اشتعل سنة 1848"

اكتب تعليقا